السيرة النبوية –
18 –
تم الترحيب بمحمد من طرف جميع الطوائف والقبائل عند وصوله الى يثرب
، ولم يكن المشركين ولا كان اليهود أقل إقبالا من المسلمين مهاجرين والأنصار على
إستقبال محمد.
وتم بناء المسجد
الذي ساعد محمد بيديه ببناءه واكتملت مساكن الرسول من حوله و كان البناء بسيطا،
بنيت جدرانه الأربعة من الآجر والتراب وسقف جزء منه بسعف النخيل وترك الجزء الآخر
مكشوفا. وخصصت إحدى نواحيه لإيواء الفقراء.
وكان هم الرسول
الأول والآخر الرسالة التي عهد الله إليه في تبليغها والدعوة إليها والإنذار بها.
لم يفكر في ملك
ولا مال ولا تجارة، (1) بل كان همه توفير الطمأنينة لمن يتبعون رسالته ، وكفالة
الحرية لهم في عقيدتهم ككفالتها لغيرهم في عقيدتهم . يجب أن يكون المسلم واليهودي
والنصراني سواء في حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية الدعوة إليه.
فالحرية وحدها هي
الكفيلة بانتصار الحق وبتقدم العالم نحو الكمال في وحدته العليا، وكل حرب على
الحرية تمكين للباطل ونشر لجيوش الظلام لتقضي على جذوة النور المضيئة في النفس
الإنسانية، والتي تصل بينها وبين الكون كله، من أزله إلى أبده، صلة إتساق ومحبة
ووحدة، لا صلة نفور وحرب وفناء.
هذه الوجهة في التفكير التي جعلت محمد جنوحا
للسلم راغبا عن القتال غير لاجيء إليه إلا من أجل الدفاع عن الدين والعقيدة.
بينما كان محمد
يفكر في كفالة الحرية بيثرب، كان كل فريق فيها يفكر على نحو يخالف تفكير غيره.
فالمهاجرون والأنصار قد ألف الدين الجديد بينهم بأوثق رباط ، إلا أن محمد كان يخاف
أن تثور البغضاء بينهم يوما ما. أما المشركون من الأوس والخزرج فلقد وجدوا
أنفسهم ضعافا بين اليهود والمسلمين، فأصبح همهم الوقيعة بين هؤلاء وأولئك.
أما اليهود الذين
ظنوا أن في مقدرتهم إستمالة محمد وإدخاله في حلفهم والإستعانة به على تأليف
جزيرة العرب حتى تقف في وجه النصرانية التي أجلت اليهود شعب الله المختار
عن فلسطين أرض الميعاد.
كان هم محمد
(2) أن يصل بيثرب إلى وحدة سياسية ونظامية لم تكن معروفة من قبل في سائر
أنحاء الحجاز، وإن كانت قد عرفت في اليمن
فتشاور مع وزيريه أبي
بكر الصديق وعمر بن الخطاب وكان يهدف الى تنظيم صفوف المسلمين وتوكيد وحدتهم
حتى لا تثور العداوات القديمة. ولتحقيق هذه الغاية دعا المسلمين ليتآخوا في الله
أخوين أخوين. وبهذه المؤاخاة إزدادت وحدة المسلمين توكيدا.
وكان الأنصار
كرماء مع المهاجرين الذين تركوا وراءهم كل ما كانوا يملكون، والوحيد الذي كان على
جانب من الثراء والنعمة عثمان بن عفان. واشتغل بعض المهاجرين بالتجارة. أما
الصديق والخطاب وعلى بن أبي طالب فقد إشتغلوا بالزراعة في أرض
الأنصار.
ولقد بادر محمد
الى رد التحية لليهود الذين أحسنوا إستقباله وإلى توثيق صلاته بهم. فتحدث الى
رؤسائهم وتقرب اليه كبراؤهم ، وربط بينه وبينهم برابطة المودة باعتبار أنهم أهل
كتاب موحدون. وكان يصوم يوم صومهم. ألى أن وصل الأمر إلى عقد معاهدة صداقة وتحالف
وتقرير لحرية الإعتقاد. معاهدة تعتبر من الوثائق السياسية الجديرة بالإعجاب
على مر التاريخ.
وسنتحدث عن
المعاهدة في الأسبوع القادم بإذن الله.
(1)
محمد
حسين هيكل ، حياة محمد ص 221
(2)
المصدر
نفسة ص 222
No comments:
Post a Comment