السيرة النبوية (31)
غزوتا الخندق وبني
قريظة
إطمأن المسلمون بعد
إجلاء بني النضير وبعد بدر الآخرة، وأخذوا في تنظيم عيشهم ،وكان محمد دائم الحذر
من غدر العدو.
وكان يهود بني قينقاع
ويهود بني النضير وعرب غطفان وهذيل والقبائل المتاخمة للشام تتربص كل واحدة منها
بمحمد، وتتمنى أن تسنح لها الفرصة للثأر من محمد الذي فرق العرب في دينها.
وكان اليهود أكثرهم
تقديرا لما يمكن أن يصيبهم من انتصار محمد، واختمرت فكرة تأليب العرب في
نفوس أكابر بني النضير. فخرج حيي بن أخطب وسلام إبن أبي الحقيق وكنانة بن الحقيق
ومعهم من بني وائل هوذة بن قيس وأبو عمار الى مكة. فسأل أهل مكة حييا عن قومه فقال
(1)"تركتهم بين خيبر والمدينة يترددون حتى تأتوهم فتسيروا معهم الى محمد
وأصحابه" وسألوه عن قريظة، قال:"أقاموا بالمدينة مكرا بمحمد، حتى تأتوهم
فيميلوا معكم"
وترددت قريش وهي لا
تعتبر أن بينها وبين محمد خلاف إلا على الدعوة التي يدعو إليها. وسألت اليهود :
إنكم أهل الكتاب الأول وأهل العلم ، أيهما أحسن ديننا أم دين محمد؟؟؟
وأجاب اليهود إن دينكم
أحسن من دين محمد والى ذلك يشير القرآن: (2) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ
أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49)
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا
مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ
يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) ولم
يكتف اليهود بتفضيل وثني قريش على توحيد محمد، بل ذهبوا إلى كل من عنده ثأر عند
المسلمين يحرضوهم على الأخذ بالثأر ويعدوهم بالنصر.
وخرجت الأحزاب التي جمعها اليهود لمحاربة محمد
بالإضافة لقريش وعلى رأسها أبو سفيان في أربعة الآف مجند وثلاثمائة جواد وخمسمائة
وألف ممتط بعيرة.
ووصل النبأ للمسلمين ، فاقترح سلمان الفارسي حفر
خندق حول المدينة وتحصين داخلها. وتم الحفر في ستة أيام وخرج محمد بثلاثة
آلاف من المسلمين.
وتفاجأت قريش بالخندق وزعمت أن الإحتماء وراءه
جبن لا عهد للعرب به. وأيقن أبو سسفيان ومن معه أنهم لن يستطيعوا إقتحام الخندق.
وكان الوقت شتاء والبرد قارص والرياح شديدة.
وخشي حيي بن أخطب من إنسحاب الأحزاب التي جمعها
للثأر من محمد، فوعدهم بإقناع بني قريظة بنقض عهدهم مع الرسول والتوقف عن إمداده
بالمؤونة.
واستطاع حيي إقناع بنو قريظة بالخروج عن حيادها
، فأرسل الرسول وفدا الى بني قريظة مؤلف من سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة
سيد الخزرج وعبدالله بن رواحة لعلهم يقنعوهم بالعودة الى عهدهم لكنهم رفضوا.
واشتد الخوف في المدينة وقطعت قريظة الإمدادات،
وتغيرت نفسية قريش وغطفان بانضمام بني قريظة إليهم وبدأوا الإستعداد للقتال.
واستمهلت قريظة الأحزاب عشرة أيام حتى تستعد للقتال، على أن تقاتل الأحزاب
المسلمين في هذه الأيام العشرة. وألفوا ثلاثة كتاب لمحاربة النبي. وهنا نزلت
الآيات (3): (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ
زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا
شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ
مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ
فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ
بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا.)
وخاف أهل يثرب، وقال بعضهم : (4) "كان محمد
يعدنا بكنوز كسرى وقيصر، وأحد منا لا يأمن على نفسه أن يذهب الى الغائط"
وحاول بعض فوارس قريش إقتحام الخندق، منهم عمرو
بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب وخرج عليهم علي بن أبي طالب وبارز
عمرو بن ود وقتله. وكثفت الأحزاب الهجوم على المدينة يريدون إضعاف وتخويف
المسلمين.
وفكر محمد بوسيلة للخلاص فأرسل الى غطفان يعدهم
ثلث ثمار المدينة إن رحلوا. وأرسل نعيم بن مسعود الى قريظة ولم تكن قريش تعلم أنه
أسلم فأقنعهم بأن يأخذوا رهنا من قريش حتى لا يتخلوا عنهم فيما بعد. وذهب الى قريش
وأخبرهم بأن قريظة ندمت لنكث عهدها مع الرسول وأنها ستطلب منهم بعض أشراف قريش
لضرب أعناقهم إسترضاء لمحمد، ونصحهم برفض طلب قريظة برهائن من رجال قريش. وصنع مع
نعيم وغطفان ما صنع مع قريش.
ودبت الشبهة من كلام
نعيم الى نفوس قريش وغطفان. وأرسل أبو سفيان الى كعب سيد بني قريظة يطلب منه أن
يعدوا العدة في اليوم التالي لمحاربة محمد، وعاد رسول أبي سفيان يقول إن الغد هو
يوم سبت لا نقاتل به. فأعاد الرسول قائلا أنه لا بد من قتال محمد في الغد. إلا أن
قريظة رفضت وطلبوا الرهائن من قريش ليطمئنوا لمصيرهم. فتأكد أبو سفيان من صحة كلام
نعيم ، وتحدث الى غطفان فترددت.
وقامت عاصفة شديدة في
الليل إقتلعت الخيام وأدخلت الرعب في نفوس الأحزاب، فقام طليحة بن خويلد مناديا أن
محمد قد بدأكم بشر فالنجاة النجاة.. ونادى أبو سفيان قريش(5):"يا معشر قريش،
إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام. لقد هلك الكراع(إسم جمع للخيل) والخف، وأخلفتنا
بنو قريظة وبلغنا منهم ما نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، فارتحلوا فإني
مرتحل." وفكر محمد بعد رحيل الأحزاب، لقد أذهب الله عنه عدوه، لكن اليهود
قادرون على العودة مرة ثانية. فرأى أنه لا بد من القضاء على بني قريظة ، فحاصرهم
لمدة خمس وعشربن يوما.
وطلبوا من النبي أن
يرسل لهم أبو لبابة ليستشيروه. وكان من الأوس فسألوه إن كان كان يجب أن يتبعوا حكم
محمد. فأجاب نعم واشار بيده الى حلقه، أي أنه الذبح إذا لم تفعلوا. ويقال أنه ندم
ندما شديدا على تلك الحركة
وبعثت قريظة الى النبي
تعرض عليه الخروج الى أذرعات تاركة وراءها ما تملك، فأبى ذلك عليها.
وكلمت الأوس رسول الله
أن يهبهم لهم(6) ، وكانوا حلفائهم، فجعل رسول الله الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ
فحكم بأن يقتل كل من جرت عليه المواسي (البالغين)وتسبى النساء والذرية وتقسم
الأموال.
(1) محمد حسين هيكل، حياة
محمد ص 329
(2) سورة النساء آيات 51 – 52
(3) سورة الأحزاب الآيات 10 – 13
(4) محمد حسين هيكل، حياة
محمد ص 334
(5) المصدر السابق 337
(6) إبن سعد، الطبقات
الكبرى. الجزء 2 ص 75
No comments:
Post a Comment