السيرة النبوية -
8 -
نتابع اليوم قصة
الهجرة الأولى ولماذا عاد المهاجرين بعد ثلاثة أشهر من الهجرة إلى الحبشة وآراء
بعض الفقهاء.
لقد قيل أن المهاجرين عادوا بعد إسلام عمروتحسن معاملة أهل مكة
للنبي وأصحابه من جهة ، ومن جهة أخرى بعد قصة الغرانيق التي
سنشرحها فيما بعد. وهناك من قال إن المهاجرين عادوا لثورة قامت على النجاشي ولم يكونوا ليشاركوا في هذه الثورة وهم أجانب و ضيوف
في تلك البلاد ولم يشاؤوا الإنضمام لفريق ضد فريق.
قصة الغرانيق: تقول القصة :
أن النبي
(صلعم) قرأ بمكة سورة النجم حتى بلغ قوله تعالى ( أفرأيتم اللات والعزى
ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم
لترجى، فقال المشركون: ما ذكر الهتنا بخير قبل اليوم، فسجد النبي (صلعم) ومن معه
من المسلمين، وسجد معهم المشركين.
(1)وأعلنت قريش رضاها عما تلا
التبي، وقالوا قد عرفنا أن الله يحي ويميت ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا
عنده. أما إذا جعلت لها نصيبا فنحن معك، وبذلك زال الخلاف بينه وبينهم.
وأكد معظم الفقهاء عدم صحة هذه القصة فقال (2)الإمام الشيخ محمد عبده: أن وصف العرب لآلهتهم
بأنها الغرانيق لم يرد في نظمهم ولا في خطبهم، ولم ينقل عن أحد أن ذلك الوصف كان
جاريا على ألسنتهم، وإنما ورد الغرنوق والغرنيق على أنه إسم لطائر مائي أسود أو
أبيض، والشاب الأبيض الجميل. ولا شيء من ذلك يلائم معنى الآلهة أو وصفها عند الغرب.
وفي تيسير التفسير(3) الآيات 52 – 57 سورة الحج
(وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى
الشيطان ثم يحكم الله آياته ، والله عليم حكيم.....
يقول الشيخ إبراهيم القطان :"انه
جاء في كثير من التفاسير رواية منسوبة الى إبن عباس، أن النبي (صلعم) تلا
على قريش سورة النجم ، ولما بلغ قوله تعالى:( أفرأيتم اللآت والعزى ومناة
الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان في تلاوة الرسول: " تلك الغرانيق العلى، وإن
شفاعتهم لترجى"
ويؤكد القطان :"أن هذه الرواية
مكذوبة لا أصل لها ولم ترد في كتاب من الكتب الموثوقة، وليس لها سند صحيح. بل أنها
من وضع الكذابين والمشككين في الدين. ولقد كذبها العلماء ,, قال القاضي عياض
في الشفاء: إن هذا لم يخرجه أحد من أهل الصحة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل.
الكلام للقطان أيضا: " وقال أبو
بكر البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي (صلعم) بإسناد متصل.
وقال الفخر الرازي في تفسيره: هذه
الرواية باطلة موضوعة عند أهل التحقيق.
وقال الإمام أبو بكر البيهقي: هذه
القصة غير ثابتة من جهة النقل.
ويقول القطان: "إن هذه السورة مدنية
فكيف نوفق بينها وبين سورة النجم وهي مكية ومن أوائل ما أنزل بمكة. والكلام للقطان:
ولا أعتقد بصحة ما يقوله بعض المفسرين أن هذه الآيات 52، 53 ، 54، 55 من سورة الحج
مكية، فإنهم قالوا إنها مكية حتى توافق الرواية الباطلة.")
ويؤكد هيكل انه لا لأصل لمسألة الغرانيق
على الإطلاق ولا صلة البتة بينها وبين عودة المهاجرين من الحبشة. ولكن عادوا بعد
إسلام عمر بن الخطاب. ولما عادوا إزدادت مخاوف قريش من أن يعظم أمر محمد
(صلعم) وانتهى الأمر بوضع الصحيفة التي قرروا فيها الا يناكحوا بني هاشم
ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم، كما قرروا فيما بينهم أن يقتلوا محمدا (صلعم)
أن استطاعوا.
ونتوقف هنا الى الآسبوع القادم لنرى تأثير
الصحيفة على محمد (صلعم) وأصحابه.
(1)
محمد
حسين هيكل ، حياة محمد ص 161
(2)
المصدر السابق ص 166
(3)
إبراهيم القطان، تيسير التفسير. الجزء الثالث
ص 191 ، 192 ، 193