السيرة
النبوية - 9 –
لم يخف عمر بن الخطاب
إسلامه ، ولم يرض عن استخفاء المسلمين وذهابهم الى شعاب مكة للصلاة بعيدا عن أذى
قريش. الى أن صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه.
وأيقنت قريش ان كل
الأذى الذي تمارسه ضد محمد لن يحول دون إقبال الناس على الدخول يالإسلام
والإحتماء بعمر وحمزة أو بالحبشة. فاتفقوا
فيما بينهم على مقاطعة بني هاشم وبني عبدالمطلب مقاطعة تامة، لا ينكحوهم ، ولا
يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم . وعلقوا صحيفة العقد في جوف مكة توكيدا لها
وتسجيلا.
وحاصرت قريش المسلمين
سنتين أو ثلاثا. ولم يزدد محمد وأهله الا اعتصاما بحبل الله ، ولم يحل ذلك
دون انتشار الدعوة الى الإسلام والخروج بها من حدود مكة.
ولخوف قريش من إنتشار
الدين خارج مكة لجأت الى سلاح جديد تحارب به محمد ألا وهو الدعاية وترويج
الإشاعات خاصة في موسم الحج .
اجتمع نفر من قريش الى
الوليد بن المغيرة يتشاورون (1) ما عساهم أن يقولوا
للعرب عن محمد .
اقترح
البعض أن يقولوا إنه كاهن، فرد الوليد هذا الرأي واقترح أخرون أن يزعموا أنه مجنون فرد الوليد
أنه لا يظهر عليه ذلك. واقترح غيرهم أن يتهموه بالسحرفرفض الوليد أيضا. واقترح أن
يقولوا إن هذا الرجل ساحر البيان، وإن ما يقوله سحر يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه وبين
المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته.
والتمست
قريش هذه الدعاية عند النضر بن الحارث، وقد كان من شياطين قريش، وكان قد قدم
الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وعباداتها وأقوالها في الخير والشر وفي عناصر
الكون. فأخذ كلما جلس محمد (صلعم) يدعو فيه قومه الى الله، ويحذرهم عاقبة ما أصاب
من قبلهم من الأمم ، يخلف محمدا في مجلسه ويقص على قريش حديث فارس ودينها. وكان
يقول : بماذا يكون محمد أحسن حديثا مني؟
وزعمت
قريش أن جبرا النصراني الذي كان محمد يجلس اليه كثيرا، هو الذي يعلم أكثر
ما يأتي به، فإذا كان لأحد أن يخرج على دين آبائه فالنصرانية أولى. فنزل في ذلك
قوله تعالى (2): " ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون
اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" .
جاء
الطفيل بن عمرو الدوسي الى مكة وكان رجلا شريفا شاعرا لبيبا، فحذرته قريش من محمد
وأنه من الخير له أن لا يكلمه.
ذهب
الدوسي الى الكعبة يوما وسمع كلام محمد فقال في نفسه: (3) ( وأثكل أمي! والله إني لرجل
لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل.) وتبع
محمد الى بيته وعرض عليه الإسلام وتلا عليه القرآن ، فأسلم وشهد شهادة
الحق.
وبلغ
من أمر محمد ما هو أعظم، حيث بدأ أشد خصومه بالتساؤل أحقا أنه يدعو الى
الدين القيم. حتى أن أبو سفيان بن حرب وأبو جهل بن هشام والأخنس بن شرنق تبعوا محمد
يستمعوا إليه دون أن يراهم وبلا إتفاق
بينهم لمدة ثلاثة أيام. ولما أدركوا ما بهم من ضعف لدعوة محمد تعاهدوا أن لا
يعودوا لمثل فعلتهم.
نقف
هنا ونتابع الأسبوع القادم بإذن الله ....
(1) محمد
حسين هيكل ، حياة محمد ص
170
(2) سورة
النحل آية 103
(3) محمد حسين هيكل، حياة محمد ص 172
No comments:
Post a Comment