Thursday, September 8, 2016

السيرة النبوية





السيرة النبوية (23)

يقول الكاتب بأنه من الممكن أن محمد كان يرمي من وراء إرسال هذه السرايا والرحلات المسلحة إرهاب اليهود المقيمين في المدينة ، علما بأن الإسلام لم يكن ينكر القتال دفاعا عن النفس ودفاعا عن العقيدة.
لكن الإسلام كان ينكر حرب الإعتداء (1):"ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"
وإذا كان للمهاجرين ما يبيح لهم اقتضاء ما حجزت قريش من أموالهم عند الهجرة ، فإن دفع فتنة المؤمنين عن دينهم كان أكبر عند الله ورسوله وكان الغاية الأولى التي شرع من أجلها القتال.
والدليل على ذلك الآيات التي نزلت في سرية عبدالله بن جحش الأسدي الذي أرسله محمد في سرية في رجب من السنة الثانية للهجرة وأعطاه كتابا طلب منه أن لا يقرأه إلا بعد يومين من مسيره. ولما فتحه وجده يقول: (إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا أخبارهم)
ومرت بهم عير لقريش تحمل تجارة عليها عمرو بن الحضرمي، وكان يومئذ آخر رجب . وتذكر عبدالله بن جحش ومن معه ما صنعت قريش بهم وما حجزت من أموالهم فتشاوروا. فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله وأسر المسلمون رجلين من قريش.
ولما وصلوا المدينة حجزوا من مغنمهم الخمس لمحمد . لكنه لم رآهم قال لهم:" ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام" ، وأبى أن يأخذ منه شيئا وعنفهم إخوانهم من المسلمين.
وانتهزت قريش الفرصة ونادت في كل مكان بأن محمد وأصحابه استحلوا الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا الرجال، ودخلت يهود تريد إشعال الفتنة.
وإذ ذاك نزل قوله تعالى)  2): يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
وقبض محمد العيروالأسيرين افتدتهما منه قريش  بسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان اللذان تركا عبدالله بن جحش يطلبان بعيرا لهما ضل وتم أسرهما من قبل قريش.
فكما نرى هنا أن القرآن الكريم أجاب المشركين عن سؤالهم عن القتال في الشهر الحرام وأقرهم على أنه كذلك ..لكن هناك ما هو أكبر من هذا الأمر ألا وهو الصد عن سبيل الله والكفر به أكبر من القتال في الشهر الحرام وإخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر من القتال في الشهر الحرام، وفتنة الرجل عن دينه بالوعد والوعيد والإغراء والتعذيب أكبر من القتل.
ويقول الكاتب (3)  إن سرية عبدالله بن جحش  وهذه الآية الكريمة التي نزلت فيها ، هي مفترق طرق في سياسة الإسلام. حادث جديد في نوعه يدل على روح قوي في سموه، إنساني في قوته، ينتظم نواحي الحياة المادية والمعنوية والروحية كأشد ما يكون النظام قوة ورفعة وتوجها الى الكمال.
فالقرآن يقول ان القتال في الشهر الحرام من الكبائر ، لكن هناك ما هو أكبر منه. فالصد عن سبيل الله والكفر به أكبر من القتال في الشهرالحرام.
ويقول الكاتب (4): "إذا أراد أحد أن يفتن رجلا عن رأيه بالدعاية وبالمنطق دون أن يحمله على ترك هذا الرأي بالقوة وبغير القوة من وسائل الرشوة والتعذيب، لم يكن لأحد أن يدفع هذا الرجل إلا بإدحاض حجته وتفنيد منطقه. لكن إذا حاول بالقوة المسلحة أن يصد صاحب رأي عن رأيه، وجب دفع القوة المسلحة بالقوة المسلحة متى استطاع الإنسان لها سبيلا. ذلك بأن كرامة الإنسان تتلخص في كلمة واحدة: عقيدته. فالعقيدة أثمن من المال ومن الجاه والسلطان ومن الحياة نفسها."
وسنتحدث في الأسبوع القادم عن غزوة بدر الكبرى إن شاءالله
(1) سورة البقرة آية 190  
(2) سورة البقرة آية 217
(3) محمد حسين هيكل ، حياة محمد ص 250
(4) المصدر السابق  ص  252

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura2-aya217.html