Friday, January 13, 2017

السيرة النبوية




السيرة النبوية (29)
أزواج النبي
أفرد الكاتب فصلا للحديث عن أزواج النبي ووصل عند زينب بنت جحش وتابع الحديث عن البقية من خلال استكمال سيرة الرسول. فرأيت أن أستعرض أسماء ونبذة صغيرة عن بقية زوجات النبي ولقد اعتمدت كتاب الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء) وفكرت في البداية أن أستعرض بعض القصص الطريفة التي روتها عن زوجات النبي وغيرتهن من بعضهن البعض. لكن قررت أن أترك هذا للكتابة عنه  فيما بعد والإستعانة بعدد أكبر من المراجع لذلك.

تزوج محمد خديجة بنت خويلد كما ذكرنا سابقا- وهو في الثالثة والعشرين من عمره،وظلت خديجة  وحدها  لمدة ثماني وعشرين عاما حتى تخطى الخمسين . عاشا سبعة عشر سنة معا قبل البعثة وأحد عشرة سنة بعد البعثة. ولم يفكر قط أن يأخذ زوجة ثانية. ولم يعرف في حياة خديجة ولم يعرف عنه قبل زواجه من خديجة أنه كان ممن تغريهم مفاتن النساء في الوقت  الذي لم يكن الحجاب مفروضا.
سودة بنت زمعة ، أرملة السكران بن عمروبن عبد شمس . ولم يعرف انها كانت من الجمال او الثروة أو المكانة. إنما كانت زوجة رجل من السباقين للإسلام الذين هاجروا الى الحبشة واحتملوا من أجل الإسلام. ولقد تزوجها ليعولها وليرتفع بها إلى أمومة المؤمنين.

عائشة وحفصة، فلقد كانتا إبنتي وزيريه أبو بكر وعمر بن الخطاب. ولقد خطب عائشة وما زالت في التاسعة من عمرها وليس من المنطق أن يكون قد أحبها وهي في هذه السن الصغيرة ولكن الحب نشأ بعد الزواج.
أما حفصة بنت عمر فزواجه بها وبشهادة أبيها من غير حب ولا أدل على ذلك ما قاله لها والدها عندما علم أنها تراجع الرسول في بعض المسائل حتى يغضب. فقال لها:(1) " يا بنية لا يغرنك هذه التى قد أعجبها حسنها وحب رسول الله إياها، والله لقد علمت ان رسول الله لا يحبك ولولا أنا لطلقك".
هذا يدل أن رسول الله تزوج عائشة وحفصة ليمكن أواصر هذه الجماعة الإسلامية الناشئة في شخصي وزيريه. كما أنه تزوج سودة ليعلم المجاهدين من المسلمين أنهم إذا استشهدوا فلن يتركوا وراءهم نسوة وذرية ضعافا.

زينب بني خزيمة، كانت زوجة لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. أستشهد يوم بدر، ولم تكن ذات جمال ،إنما عرفت بطيبتها حتى لقبت أم المساكين وتوفاها الله بعد سنتين.
أم سلمة، كانت زوجة لأبي سلمة ولها منه عدة أبناء. وكان زوجها قد خرج في أحد ثم أرسله الرسول لحرب بني أسد وغلبهم وعاد الى المدينة بما غنم. إلا أنه قضى بسبب جرح أصابه في أحد.
ولما خطبها الرسول بعد أربعة أشهر من وفاته إعتذرت لكثرة العيال وبأنها تخطت الشباب. إلا أن محمد وعدها بالعناية وبتنشئة أبنائها.

زينب بنت جحش، زينب هي إبنة أميمة بنت عبد المطلب عمة الرسول. وكانت من مقام البنت او الأخت الصغرى وكان يعرفها وشهدها في نموها من الطفولة الى الصبا والشباب. وهو الذي خطبها لمولاه زيد بن حارثة  . ويقول الكاتب أن شقيقها عبدالله بن جحش أبى ان تكون أخته القرشية الهاشمية تحت عبد اشترته خديجة ثم أعتقه محمد. ورأى أن في ذلك عار على زينب.
 ولكن محمد كان قد أراد أن تزول هذه الإعتبارات القائمة على النفوس العصبية وحدها. وأراد أن يدرك الناس جميعا أن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. وبذلك نزل قوله تعالى : (2)" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا"  سورة الأحزاب آيه 36 وبهذا رضخ عبدالله وأخته زينب. ولكنها ظلت تؤذي زيدا وتفاخر بنسبها. واشتكاها زيد للرسول واستأذنه غير مرة في تطليقها. وكان النبي يقول له دائما: (3)" إمسك عليك زوجتك واتق الله" ص . لكن زيد لم يطق معاشرة زينب فطلقها.
ولما أراد المشرع إبطال ما كانت تدين العرب بالنسبة لإعطاء الدعي نفس حقوق الأبناء ونزل قوله تعالى (4):"
ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" سورة الأحزاب .آية 4 ومعنى هذا أنه يجوز أن يتزوج من كانت زوجا لمتبناه. ولكن من من العرب يمكن أن ينقض تقاليد آباءه وأجداده. لذلك قرر محمد أن ينفذ هذا الحكم بالزواج من زينب بنت جحش.
لكنه فكر بما سيقول الناس في خرقه العادات والتقاليد فنزل قوله تعالى(5) :" وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ".

جويرية بنت الحارث (6)    
كانت برة بنت الحارث  بين السبايا بعد قتال بني المصطلق. رق قلب الرسول عندما جاءته جزعة تقول " أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه. وقد أصابني من البلاء، ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس... فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على أمري" ص 262 فقال لها الرسول:" وهل لك في خير من ذلك؟؟ فسألت بلهفة :" ومن هو يا رسول الله؟؟
قال:" أقضي عنك كتابتك ، وأتزوجك"  فتألق وجهها وقالت ::نعم يا رسول الله.
وغير الرسول إسمها  من برة الى جويرية، وأسلمت وحسن إسلامها وتوفيت في المدينة سنة خمسين وهي في الخامسة والستين.

صفية بنت حيي بن اخطب (7)       
كانت صفية من بين السبايا التي أخذ المسلمون من حصن خيبروقيل للنبي إن"صفية سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك" فتزوجها . بلغ صفية كلام عن حفصة وعائشة، فلما حدثت النبي وهي تبكي، قال: "ألا قلت: وكيف تكونان خير مني ، وزوجي محمد ، وأبي هارون ، وعمي موسى" نسوة النبي
وبقيت صفية بعد وفاة النبي حتى خلافة معاوية 

أم حبيبة بنت أبو سفيان (8)           
كانت رملة بنت أبي سفيان بن  حرب بن أمية زعيم مكة وقائد المشركين زوجة لعبيد الله بن جحش الأسدي، شقيق السيدة زينب أم المؤمنين. أسلم زوجها وهاجرت مع زوجها في الهجرة الثانية الى الحبشة. وهناك وضعت إبنتها حبيبة. لكن زوجها ارتد عن الإسلام .
واعتزلت رملة الناس شاعرة بالخزي لفعلة زوجها، وبقيت في عزلتها حتى طرقت جارية النجاشي بابها يوما وأعطتها رسالة  تقول: إن الملك يقول لك" وكلي من يزوجك من نبي العرب فقد أرسل إليه ليخطبك له" فوكلت خالد بن سعيد بن العاص بن امية بن عبد شمس في زواجها .




ميمونة بنت الحارث  (9)          
هي برة بنت الحارث بن بجيرة العامرية الهلالية، شقيقتها أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث، زوج العباس بن عبد المطلب وأمها هند بنت عوف بن الحارث، التي كان يقال فيها: أكرم عجوز في الأرض أصهارا. هند بنت عوف: أصهارها، رسول الله ، أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وحمزة والعباس إبنا عبد المطلب رضي الله عنهما، وجعفر وعلى إبنا أبي طالب رضي الله عنهما.
وكانت برة أرملة في السادسة والعشرين من عمرها، وقد جعلت  أمرها الى شقيقتها أم الفضل التي حدثت به زوجها  العباس وجعلت له أمرها فأنكحها النبي وليا عنها وأصدقها عنه أربعمائة درهم، وسماها ميمونة.
وقالت عنها عائشة رضي الله عنها: كانت والله من أتقانا لله، وأوصلنا للرحم.

ماريا القبطية (10)              
أرسل النبي رسالة لملك الروم المقوقس يدعوه فيها للإسلام، فقرأ الملك كتاب محمد وطواه بعناية وتوقير والتفت إلى حامل الرسالة حاطب بن أبي بلتعة وطلب منه أن يحدثه عن النبي. فلما فعل كتب لمحمد معتذرا بما يعلم من تمسك القبط بدينهم وأرسل له هدية جاريتين  لهما مكان من القبط عظيم وكسوة ومطية.
وعاد حاطب مع الجاريتين ماريا وأختها سيرين وعبد خصي ، وألف مثقال ذهبا ، وعشرون ثوبا لينا من نسج مصر، وبغلة شهباء "دلدل" وجانب من عسل وبعض العود والمسك.
وصل الركب المدينة سنة سبع من الهجرة وكان النبي قد عاد من الحديبية بعد عقد الهدنة مع قريش.
أعجب النبي بماريا  وكانت بيضاء جعدة جميلة ، ووهب أختها سيرين لحسان بن ثابت. وأنزل ماريا بمنزل لحارثة بن النعمان الأنصاري.
وانجبت ماريا إبراهيم في شهر ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وفرح به النبي وراح يرقب نموه يوما بعد يوم ، ويجد فيه أنسه ومسرته. وحمله يوما الى عائشة ودعاها في تلطف وبشر، لترى ما في الصغير من ملامح أبيه، فبلغ من شدة قهرها أن كادت تبكي مما تجد.
ولم تكتمل سعادة الرسول وماريا ، فما أن بلغ الطفل إبراهين عامين من عمرة ، حتى مرض وانتقل الى جوار ربه لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر من الهجرة.
ولم تطل حياة النبي بعد موت إبراهيم، فما استهل ربيع الأول من السنة التالية حتى شكا ولحق بربه الأعلى. وعاشت ماريا بعده خمس سنوات في عزلة عن الناس، لا تلقى إلا أختها سيرين. ولا تخرج إلا الى زيارة مثوى الحبيب بالمسجد النبوي أو قبر ولدها بالبقيع.


(1)   محمد حسين هيكل، حياة محمد ص 320
(2)   سورة الأحزاب آية 36
(3)   محمد حسين هيكل، حياة محمد ص 324
(4)   سورة الأحزاب آية  4
(5)   سورة الأحزاب آيات 37، 38
(6)   نسوة النبي، عائشة عبدالرحمن(بنت الشاطيء)  سلسلة سيرة وأعلام .وزارة الثقافة الأردن    2007ص 257- 268
(7)   المصدر السابق  ص 269 -290
(8)   =                 ص 291 -316
(9)   =                 ص 317 – 329 

Friday, January 6, 2017

السيرة النبوية



السيرة النبوية (28)

بعد أحد تنكر الكثيرون للمسلمين، حرص النبي على أن يقف من أخبار  أهل المدينة ومن أخبار العرب جميعا بحيث يتمكن من استعادة مكانة المسلمين وسطوتهم وهيبتهم في النفوس.

وعلم محمد أن طلحة وسلمة إبني خويلد-وكانا على رأس بني أسد- يحرضان على مهاجمة المدينة.  فأرسل أبا سلمة عبدالله الأسد وعقد له لواء سرية تبلغ مائة وخمسين، منهم أبو عبيدة إبن الجراح وسعد ابن أبي وقاص وأسيد بن حضير. وفاجأوا العدو بالإغارة عليه وعادوا غانمين وقد أعادوا الى النفوس من هيبة المسلمين شيئا مما ضيعت أحد.
وتم الغدربمجموعة من الصحابة أرسلهم الرسول ليعلموا شرائع الدين والقرآن إلى وفد جاء النبي من قبيلة مجاورة.

حزن المسلمون لما أصاب أصحاب الرسول الستة وازداد محمد تفكيرا في أمر المسلمين وخشي أن يستخف العرب بشأنهم. فجاءه أبو براء عامر بن مالك وعرض عليه محمد أن يسلم إلا أنه أبى، ولكنه لم يكن يظهر عداوة للمسلمين. فاقترح على النبي إرسال عدد من أصحابه الى نجد ليدعوهم للإسلام. لكن النبي خشي أن يغدروا بهم. إلا أن أبو براء طمأنه قائلا:((1)" أنا لهم جار"  ...
وسار أصحاب النبي حتى نزلوا بئر معونة وأرسلوا حرام بن ملحان الى عامر بن الطفيل بكتاب من محمد، فلم ينظر عامر في الكتاب بل قتل الرجل ونادى بني عامر ليقتلوا المسلمين. ولكنهم رفضوا فاستصرخ قبائل أخرى أجابته وأحاطوا بالمسلمين ولما رآهم المسلمين رفعوا سيوفهم وقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد وعمرو بن أمية الذي أعتقة عامر بن الطفيل.
وفي طريق عودته لقي رجلان قتلهما ظانا أنهم من الذين اعتدوا على أصحابه. ولما أخبر الرسول حزن كثيرا لأنهما كانا عامريان من قوم براء.
ويقول الكاتب إن المستشرقين لم يستنكروا فعلة قريش مثلما استنكروا قتل الأسيرين بعد بدر.

ورأى محمد أن اليهود والمنافقين يتربصون به ، فقرر أن  يستدرجهم  لتتضح نواياهم. فذهب إليهم  مع عشرة من كبار المسلمين الى مكان قرب قباء وطلب  إليهم معاونتهم في دية القتيلين اللذين قتل عمرو إبن أمية. إلا أنه لاحظ أنهم يتآمرون فانسحب من مكانه تاركا أصحابه. وحاول اليهود إقناع المسلمين بحسن نيتهم . إلا ن أصحاب محمد استبطئوه وقاموا في طلبه. والتقوا به بالمسجد وأخبرهم بما رابه من أمر اليهود ومن اعتزامهم الغدر به.

وطلب الرسول  من  محمد بن مسلمة أن يذهب الى يهود بني النضير ويطلب منهم الخروج من بلاده لأنهم نقضوا العهد وكانوا ينوون الغدر به.
وجاءهم رسولان من عند عبدالله بن أبي يطلب منهم عدم الخروج ويعدهم بمعاونتهم مع ألفين من قومه من العرب. وتشاور بنو النضير إلا أنهم تذكروا ما حصل مع بني قينقاع وكيف تخلى عنهم عبدالله بن أبي. وقال كبيرهم  حيي بن أخطب  أنهم يرفضون الخروج من ديارهم وليصنع محمد ما بدا له. وقال إن عندهم مؤونة من الطعام تكفيهم لمدة سنة.

فأخذ  المسلمون السلاح وقاتلوهم لعشرين ليلة ، ثم أمر الرسول بقطع نخل اليهود وأن يحرقوه ، فجزع اليهود ونادوا: " يا محمد كنت تنهي عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها"؟؟؟
وفي ذلك نزل قوله تعالى(2):"  مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ"
اضطر اليهود بعد ذلك الى الطلب من محمد أن يؤمنهم على مالهم ودمائهم وذراريهم  حتى يخرجوا من المدينة. وخرج اليهود وتركوا وراءهم مغانم كثيرة ولأنها لم تعتبر غنائم حرب لذلك لم تقسم بين المسلمين. بل كانت لرسول الله يضعها حيث يشاء. فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار. واستبقى قسما للمساكين. وبذلك أصبح المهاجرون في غنى عن معونة الأنصار.

أمر النبي  بعد جلاء بني النضير زيد بن ثابت بتعلم العبرية والسريانية ليصبح كاتب النبي. وزيد هو الذي جمع القرآن في خلافة أبي بكر وهو الذي راقب الجمع حين اختلفت القراءات في خلافة عثمان. فوضع مصحف عثمان وأحرقت سائر المصاحف.

وعاش المسلمون في المدينة مطمئنين بعد جلاء بني النضير، إلا أن محمد بعد عام من أحد استذكر قولة أبو سفيان ودعوته لمحمد لملاقاته ببدر. وكان عام جذب وود أبو سفيان لو يؤجل اللقاء. وبعث رسولا للمدينة يقول ان قريش جمعت جيشا كبيرا لمحاربة المسلمين. وأظهر الكثيرون عدم الرغبة في القتال إلا أن محمد غضب وصاح مقسما أنه ذاهب لبدر ولو ذهب لوحده.
فخرج المسلمون ينتظرون قريشا مستعدين لقتالهم. وخرجت قريش في أكثر من ألفي رجل. لكن أبو سفيان قرر العودة بعد مسيرة يومين. أما محمد فقد انتظرهم ثمانية أيام ، تاجر بها المسلمين ببدر وربحت تجارتهم وعادوا مستبشرين بفضل من الله.

وفي بدر الأخرى نزل قوله تعالى(3):" الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [168] وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [169] فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [170] يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [171] الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [172] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [173] فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [174] إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" 
وبذلك محت غزوة بدر الآخرة أثر أحد محوا تاما.
ثم علم النبي أن جماعة من بني غطفان يريدون حربه، فقرر مباغتتهم وخرج باربعمائة من رجاله، ولما رأوه تفرقوا تاركين وراءهم نساءهم ومتاعهم وعاد المسلمون الى المدينة بعد غياب خمسة عشر يوما فرحين بنصرهم.
وخرج النبي إلى غزوة دومة الجندل ، وهي واحة بين الحجاز والشام. وكان يريد مقاتلة القبائل التي كانت تغير على القوافل، لكنهم حين سمعوا بإسمه ولوا مدبرين وتركوا للمسلمين ما احتملوا من غنائم.
وبقي محمد في المدينة عدة أشهر في إنتظار موعد قريش لعامه القادم الخامس من الهجرة.

(1) محمد حسين هيكل، حياة محمد ص 307
(2) سورة الحشر آيه 5
(3) سورة آل عمران 168- 175