Friday, January 6, 2017

السيرة النبوية



السيرة النبوية (28)

بعد أحد تنكر الكثيرون للمسلمين، حرص النبي على أن يقف من أخبار  أهل المدينة ومن أخبار العرب جميعا بحيث يتمكن من استعادة مكانة المسلمين وسطوتهم وهيبتهم في النفوس.

وعلم محمد أن طلحة وسلمة إبني خويلد-وكانا على رأس بني أسد- يحرضان على مهاجمة المدينة.  فأرسل أبا سلمة عبدالله الأسد وعقد له لواء سرية تبلغ مائة وخمسين، منهم أبو عبيدة إبن الجراح وسعد ابن أبي وقاص وأسيد بن حضير. وفاجأوا العدو بالإغارة عليه وعادوا غانمين وقد أعادوا الى النفوس من هيبة المسلمين شيئا مما ضيعت أحد.
وتم الغدربمجموعة من الصحابة أرسلهم الرسول ليعلموا شرائع الدين والقرآن إلى وفد جاء النبي من قبيلة مجاورة.

حزن المسلمون لما أصاب أصحاب الرسول الستة وازداد محمد تفكيرا في أمر المسلمين وخشي أن يستخف العرب بشأنهم. فجاءه أبو براء عامر بن مالك وعرض عليه محمد أن يسلم إلا أنه أبى، ولكنه لم يكن يظهر عداوة للمسلمين. فاقترح على النبي إرسال عدد من أصحابه الى نجد ليدعوهم للإسلام. لكن النبي خشي أن يغدروا بهم. إلا أن أبو براء طمأنه قائلا:((1)" أنا لهم جار"  ...
وسار أصحاب النبي حتى نزلوا بئر معونة وأرسلوا حرام بن ملحان الى عامر بن الطفيل بكتاب من محمد، فلم ينظر عامر في الكتاب بل قتل الرجل ونادى بني عامر ليقتلوا المسلمين. ولكنهم رفضوا فاستصرخ قبائل أخرى أجابته وأحاطوا بالمسلمين ولما رآهم المسلمين رفعوا سيوفهم وقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد وعمرو بن أمية الذي أعتقة عامر بن الطفيل.
وفي طريق عودته لقي رجلان قتلهما ظانا أنهم من الذين اعتدوا على أصحابه. ولما أخبر الرسول حزن كثيرا لأنهما كانا عامريان من قوم براء.
ويقول الكاتب إن المستشرقين لم يستنكروا فعلة قريش مثلما استنكروا قتل الأسيرين بعد بدر.

ورأى محمد أن اليهود والمنافقين يتربصون به ، فقرر أن  يستدرجهم  لتتضح نواياهم. فذهب إليهم  مع عشرة من كبار المسلمين الى مكان قرب قباء وطلب  إليهم معاونتهم في دية القتيلين اللذين قتل عمرو إبن أمية. إلا أنه لاحظ أنهم يتآمرون فانسحب من مكانه تاركا أصحابه. وحاول اليهود إقناع المسلمين بحسن نيتهم . إلا ن أصحاب محمد استبطئوه وقاموا في طلبه. والتقوا به بالمسجد وأخبرهم بما رابه من أمر اليهود ومن اعتزامهم الغدر به.

وطلب الرسول  من  محمد بن مسلمة أن يذهب الى يهود بني النضير ويطلب منهم الخروج من بلاده لأنهم نقضوا العهد وكانوا ينوون الغدر به.
وجاءهم رسولان من عند عبدالله بن أبي يطلب منهم عدم الخروج ويعدهم بمعاونتهم مع ألفين من قومه من العرب. وتشاور بنو النضير إلا أنهم تذكروا ما حصل مع بني قينقاع وكيف تخلى عنهم عبدالله بن أبي. وقال كبيرهم  حيي بن أخطب  أنهم يرفضون الخروج من ديارهم وليصنع محمد ما بدا له. وقال إن عندهم مؤونة من الطعام تكفيهم لمدة سنة.

فأخذ  المسلمون السلاح وقاتلوهم لعشرين ليلة ، ثم أمر الرسول بقطع نخل اليهود وأن يحرقوه ، فجزع اليهود ونادوا: " يا محمد كنت تنهي عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها"؟؟؟
وفي ذلك نزل قوله تعالى(2):"  مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ"
اضطر اليهود بعد ذلك الى الطلب من محمد أن يؤمنهم على مالهم ودمائهم وذراريهم  حتى يخرجوا من المدينة. وخرج اليهود وتركوا وراءهم مغانم كثيرة ولأنها لم تعتبر غنائم حرب لذلك لم تقسم بين المسلمين. بل كانت لرسول الله يضعها حيث يشاء. فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار. واستبقى قسما للمساكين. وبذلك أصبح المهاجرون في غنى عن معونة الأنصار.

أمر النبي  بعد جلاء بني النضير زيد بن ثابت بتعلم العبرية والسريانية ليصبح كاتب النبي. وزيد هو الذي جمع القرآن في خلافة أبي بكر وهو الذي راقب الجمع حين اختلفت القراءات في خلافة عثمان. فوضع مصحف عثمان وأحرقت سائر المصاحف.

وعاش المسلمون في المدينة مطمئنين بعد جلاء بني النضير، إلا أن محمد بعد عام من أحد استذكر قولة أبو سفيان ودعوته لمحمد لملاقاته ببدر. وكان عام جذب وود أبو سفيان لو يؤجل اللقاء. وبعث رسولا للمدينة يقول ان قريش جمعت جيشا كبيرا لمحاربة المسلمين. وأظهر الكثيرون عدم الرغبة في القتال إلا أن محمد غضب وصاح مقسما أنه ذاهب لبدر ولو ذهب لوحده.
فخرج المسلمون ينتظرون قريشا مستعدين لقتالهم. وخرجت قريش في أكثر من ألفي رجل. لكن أبو سفيان قرر العودة بعد مسيرة يومين. أما محمد فقد انتظرهم ثمانية أيام ، تاجر بها المسلمين ببدر وربحت تجارتهم وعادوا مستبشرين بفضل من الله.

وفي بدر الأخرى نزل قوله تعالى(3):" الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [168] وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [169] فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [170] يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [171] الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [172] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [173] فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [174] إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" 
وبذلك محت غزوة بدر الآخرة أثر أحد محوا تاما.
ثم علم النبي أن جماعة من بني غطفان يريدون حربه، فقرر مباغتتهم وخرج باربعمائة من رجاله، ولما رأوه تفرقوا تاركين وراءهم نساءهم ومتاعهم وعاد المسلمون الى المدينة بعد غياب خمسة عشر يوما فرحين بنصرهم.
وخرج النبي إلى غزوة دومة الجندل ، وهي واحة بين الحجاز والشام. وكان يريد مقاتلة القبائل التي كانت تغير على القوافل، لكنهم حين سمعوا بإسمه ولوا مدبرين وتركوا للمسلمين ما احتملوا من غنائم.
وبقي محمد في المدينة عدة أشهر في إنتظار موعد قريش لعامه القادم الخامس من الهجرة.

(1) محمد حسين هيكل، حياة محمد ص 307
(2) سورة الحشر آيه 5
(3) سورة آل عمران 168- 175

No comments:

Post a Comment