Thursday, October 27, 2016

السيرة النبوية




السيرة النبوية (24)

غزوة بدر الكبرى


كانت سرية عبدالله بن جحش التي قتل فيها عمرو بن الحضرمي من قبل  واقد بن عبدالله التميمي  مفترق طرق في سياسة الاسلام ، وكذلك في سياسة المسلمين إزاء قريش.  فقد بدأ المسلمون يفكرون جديا في استرجاع أموالهم من قريش بالغزو والقتال.

خرج النبي في أصحابه من المدينة في الثامن من رمضان من السنة الثانية للهجرة. وكان أمام المسلمين في مسيرتهم رايتان سوداوان... وخرج مع محمد  حوالي ثلاثمائة رجل منهم ثلاثة وثمانون من المهاجرين وواحد وستون من الأوس والبقية من الخزرج. انطلقوا مسرعين مع سبعين بعيرا خوفا من أن يفلت منهم أبي سفيان الذي كان عائدا في تجارة من الشام.

وكان أبو سفيان قد علم بخروج محمد لاعتراض قافلته، فأرسل الى ضمضم  بن عمروالغفاري ليستنفر قريشا الى أموالهم، ولما وصل الى بطن الوادي صاح(1): " يا معشر قريش: اللطيمة اللطيمة ،، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه لا أرى أن تدركوها"...فخرجت قريش كلها وعلى رأسها أشرافها للدفاع عن تجارتها.


استشار محمد الناس بما بلغه من أمر قريش فأدلى أبو بكر وعمر بن الخطاب برأيهما ثم قام المقداد بن عمرو فقال: "يا رسول الله إمض لما أراك الله فنحن معك.." وسكت الناس فقال الرسول أشيروا علي أيها الناس وكان يقصد الأنصار. فلما أحسوا انه يريدهم، قال له سعد بن معاذ صاحب رايتهم: وكأنك تريدنا يا رسول الله.. قال الرسول : أجل.
فأجاب سعد: " لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق .. فامض لما أردت ونحن معك."

بعث رسول الله علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه الى ماء بدر يتلمسون له الخبر عليه. فعادوا ومعهم غلامان عرف منهما أن قريش وراء الكثيب بالعدوة القصوى.
فسألهم عن عددهم فقالوا إنهم لا يعرفون. فسألهم كم ينحرون كل يوم. فأجابا يوم تسعا ويوما عشرا. فاستنبط  من ذلك أنهم بين التسعمائة والألف.
لكن أبو سفيان عندما علم بخروج المسلمين غير طريقه واسرع في مسيره حتى بعد ما بينه مبين محمد ونجا.

وفي اليوم التالي وصلت الأخبار للمسلمين بأن قافلة أبو سفيان قد نجت وفاتهم قتال قريش. انقسم المسلمون الى فريقين، فريق يريد العودة للمدينة، وآخر كان يأمل بالغنائم وفي ذلك نزل قوله تعالى(2):  
"وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ"

وكذلك الحال بالنسبة لقريش، إذ عندما نجت تجارتهم أرسل أبو سفيان يقول لهم: " إنكم قد خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، أما وقد نجاها الله فارجعوا".
لكن أبا جهل صاح قائلا: "والله لا نرجع حتى نرد بدرا ، فنقيم عليها ثلاثا ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب بمسيرنا وجمعنا. 

وقرر المسلمون أن يثبتوا للعدو إذا أجمع على محاربتهم. فاتجهوا إلى ماء بدر وأنزل الله في تلك الليلة أمطارا غزيرة. وبناء على نصيحة الحباب بن المنذر بنى المسلمون حوضا ملأوه بالماء. وتم إعداد عريش  للنبي على تل مشرف على أرض المعركة  كما أشار عليهم سعد بن معاذ.

والتقى الجمعان صبيحة الجمعة لسبعة عشر خلت من رمضان. وقام محمد على رأس المسلمين يعدل صفوفهم ، ولما رأى كثرة عدد المشركين عاد الى العريش مع أبي بكر واتجه بكل نفسه الى ربه وجعل ينشده ما وعده ويهتف به أن يتم له النصر. وظل يتضرع الى ربه حتى خفق خفقة  من نعاس رأى خلالها نصر الله.
وخرج الى الناس يحرضهم قائلا (3): " والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا معتبرا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة" 
وازداد المسلمون قوة بتحريض محمد ووقوفه بينهم. ووجه المسلمون أكبر همهم الى سادات قريش وزعمائها. ورأى بلال أمية بن خلف وإبنه، وكان أمية هو الذي عذب بلال ، فصاح بلال : أمية رأس الكفر لا نجوت إن نجا.. ولم ينصرف بلال حتى قتل أمية. وقتل معاذ بن الجموح أبو جهل بن هشام.
ووقف محمد وسط هذا الوطيس  ، فأخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريش وقال: شاهت الوجوه، ثم نفخهم بها وقال شدوا. وفي ذلك نزل قوله تعالى (4): "إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ " 


و قوله تعالى (5):
"فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "


وعاد النبي الى العريش وفرت قريش، فطاردهم المسلمون يأسرون منهم من لم يقتل ولم يسعفه حسن قراره بالنجاة.
وهكذا كانت غزوة بدر مقدمة وحدة شبه الجزيرة في ظلال الإسلام ومقدمة للإمبراطورية الإسلامية المترامية الأطراف.
وسنتحدث فيما بعد عن الأسرى والغنائم وتوزيعها بعد معركة بدر.



(1)   محمد حسين هيكل ، حياة محمد ص 260
(2)   سورة الأنفال ، آية 7
(3)   محمد حسين هيكل ، حياة محمد ص 264
(4)   سورة الأنفال ، آية 12
(5)   سورة الأنفال ، آية 17