Tuesday, November 29, 2016

السيرة النبوية



السيرة النبوية (26)

ما كاد المسلمون يعودون من بدر معززين بالنصر حتى جعلت طوائف المدينة ، اليهود والمشركون والمنافقون تتغامز وتأتمر وترسل الأشعار بالتحريض عليهم. وشعروا بقوة محمد الذي أتاهم مهاجرا منذ أقل من عامين فارا من مكة، فأصبح ذا سلطان وبأسا.
وبذلك انتقل ميدان الثورة من مكة الى المدينة، وانتقل من الدين الى السياسة. ولم تعد دعوته تحارب فقط، بل سلطانه ونفوذ أمره أصبح موضع  الرهبة والخوف.


وكان المسلمون قبل بدر يخشون أهل المدينة ولا يجرؤا على الرد على اعتداءاتهم. فلما عادوا منتصرين ازدادوا قوة أخذ سالم بن عمير نفسه بالقضاء على أبي عفك ( أحمد بن عمرو بن عوف )الذي كان يرسل الأشعار ويطعن في محمد وقتل أيضا عصماء بنت مروان التي كانت تؤذي الرسول وتحرض عليه.
وزاد مقتل كعب بن الأشرف مخاوف اليهود، ومع ذلك لم يسكتوا عن محمد ولا عن المسلمين. فوقع الشر بين المسلمين وبني قينقاع إثر تحرش يهودي بإمرأة عربية أدى الى مقتل واحد من اليهود وآخر من العرب.
فطلب محمد من بني قينقاع أن يكفوا عن أذى المسلمين وأن يحفظوا عهد الموادعة أو ينزل بهم ما نزل بقريش.
إلا أنهم استخفوا بوعيده وأجابوه: (1)" لا يغرنك يا محمد أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم  
  وإنا والله لئن حاربتنا حاربناك لتعلمن إنا نحن الناس"

فحاصر المسلمون بني قينقاع في دورهم لمدة خمسة عشر يوما. وشفع لهم عبدالله بن أبي سلول ، فقرر الرسول أجلاءهم عن المدينة.
وبجلاء بني قينقاع عن المدينة ضعفت شوكة اليهود . ويعتبر الكاتب أن إجلاءهم كان تصرف سياسي يدل على حكمة وبعد نظر. فليس شيء أضر على وحدة مدينة من المدن من تنازع الطوائف فيها. ..


ويزيد الكاتب أن بعض المؤرخين انتقدوا قرار إجلاء بني قينقاع زاعمين أن قصة المرأة التي تحرش بها أحد اليهود كان ممكن إنهاؤها ما دام قد قتل رجل من المسلمين وآخر من اليهود. إلا أن الكاتب يؤكد أن قتل اليهودي والمسلم لم يمح ما لحق بالمسلمين من إهانة في شخص المرأة ، وإن مثل هذه المسألة عند العرب أكثر منها عند غيرهم من الأمم.
وساد الهدوء لمدة شهر إلا أن أبا سفيان جمع مائتين وقيل أربعين من رجال مكة وخرج بهم الى مكان قريب من المدينة (العريض) وقتلوا رجلا من الأنصار وحليفا له  وحرقوا بيتين بالعريض ونخيلا وهربوا بعد أن لحق بهم أصحاب محمد تاركين وراءهم ما كانوا يحملون من زاد.
انتشرت أنباء نصر محمد بين العرب ووقوفه في وجه قريش ومطاردته لأبي سفيان وإجلاء بني قنيقاع ، أما
القبائل البعيدة عنه ظلت في مأمن ، لكن القبائل القريبة من المدينة  خشيت على مصيرها من قوة محمد وأصحابه، خاصة بعد أن عدلت قريش مسار تجارتها المتاخمة للشاطيء وكانت تلك القبائل تستفيد من مرور قوافل قريش عبر أراضيها.


وكذلك الحال بالنسبة لقريش ، فكيف تصل بتجارتها الى الشام وقد أخذ محمد عليها طريقها. وقد اقترح الأسود بن عبد المطلب على قريش ان تتخذ طريق العراق الى الشام .
فجهز صفوان بن أمية من الفضة والبضائع ما قيمته مائة ألف درهم وسار بها عن طريق العراق الى الشام ، وعلم محمد عن طريق نعيم بن مسعود الأشجعي الذي كان في مكة حين خروج تجارة قريش. فأرسل زيد بن حارثة في مائة راكب اعترضوا التجارة عند القردة (ماء من مياه نجد) ففر الرجال وكانت أول غنيمة ذات قيمة غنمها المسلمون.
وسنتحدث في الحلقة القادمة عن معركة أحد...

(1)محمد حسين هيكل ، حياة محمد ص 279

Saturday, November 5, 2016

السيرة النبوية




السيرة النبوية (25)

بدأ المسلمون يتسائلون في الغنيمة لمن تكون، هل هي من حق من جمعها ؟؟ أو من طارد العدو أو من كان يحرس النبي؟؟؟ فأمر الرسول الناس أن يردوا كل ما في أيديهم من الغنائم، وأمر أن تحمل حتى يرى فيها رأيه أو يقضي الله بقضاءه.
واختلف المؤرخون في قضية تقسيم الغنائم ، فقسم قال ان النبي قسمها بينهم وأخذ الخمس لقوله تعالى: (1) (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (
وقسم آخر قال ان هذه السورة نزلت بعد بدر وبعد تقسيم الغنائم، وأن محمد قسم الغنائم بالتساوي بين المسلمين.
الأسرى : لم يكن النبي ولا أصحابه قد وضعوا نظاما للأسرى.  فلقد تم قتل أثنين من الأسرى النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وكانا من اشد الناس  قساوة على المسلمين أيام مقامهم في مكة.
وفرق محمد الأسرى بين أصحابه وقال لهم:استوصوا بهم خيرا. وفكر محمد ماذا يفعل بالأسرى، أفيقتلهم، أم يأخذ منهم الفداء. فمنهم الأشداء في القتال ومنهم من امتلأت نفوسهم بالحقد والضغينة بعد هزيمتهم ببدر. فإن قبل بالفداء  كانوا عليه حربا وألبا... وإن قتلهم أثار في نفوس أهليهم من قريش ما ربما هدأ لو أنهم افتدوهم.
وعرض الأمر على المسلمين فقال أبو بكر:يا رسول الله بأبي أنت وأمي قومك فيهم الآباء والأبناء والعمومة وبنو العم والأخوان وأبعدهم منك قريب. فامنن عليهم من الله عليك أو فادهم يستنقذهم الله بك من النار.
أما عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله هم أعداء الله، فاضرب رقابهم، هم روؤس الكفر وأئمة الضلالة يوطيء الله بهم الإسلام ويذل بهم أهل الشرك. ولم يجب محمد.
وعاد أبو بكر يتلطف ويستعطف وعمر مثال العدل الصارم لا تأخذه فيه هوادة ولا رحمة.
فقام محمد ودخل قبته وخرج بعد ساعة والمسلمون منقسمين ما بين عمر وأبو بكر. وظل المسلمون في تشاورهم زمنا طويلا حتى انتهوا الى قبول الفداء.
ويقول الكاتب ان عددا من المستشرقين اعتبروا مقتل النضر وعقبة يدل على ظمأ هذا الدين الجديد الى الدم وأنه كان أكرم للمسلمين بعد أن كسبوا المعركة أخذ  الغنائم ورد الأسرى.
ويرد الكاتب قائلا بأن تساؤل هؤلاء المستشرقين ينهار ويتداعى إذا ما وازنا بيت مقتل النضر وعقبة وما يجري اليوم( الكتاب طبع عام 1956 ) أو مايجري الآن........2016 
ويزيد الكاتب قائلا إن ما صنع المسلمون بأسرى بدر آية في الرحمة والحسنى الى جانب ما يقع في الثورات التي يتغنى أهلها بالعدل الرحمة.
أما قريش فلقد ذهلت بخبر نصر محمد ومقتل سادة قريش وأشرافها حتى أن أبو لهب حم ومات بعد سبعة ايام.
وقررت قريش أن لا تنوح قتلاها مخافة ان يشمت بهم محمد وأصحابه وأن لا تبعث.. في أسراها حتى لا يتشدد عليها محمد  وأصحابه ويغلوا في الفداء.
وصبرت قريش حتى سنحت فرصة افتداء أسراها فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو وبعثت زينب إبنة النبي تفتدي زوجها أبا العاصي بقلادة لها. فاستشار النبي أصحابه واتفق على أن يفارق العاصي زينب وقد فرق الإسلام بينه وبينها.
واستمرت قريش تفتدي أسراها، وكان الفداء يومئذ  من أربعة آلاف درهم للرجل إلى ألف، إلا من لا شيء لديه فقد من عليه بحريته.
وناحت نساء قريش على قتلاها شهرا كاملا الا هند بنت عتبة زوج أبي سفيان التي قتل والدها وأخيها وعمها. وقالت  أنا أبكيهم فيبلغ محمد وأصحابه فيشمتوا بنا وتشمت بنا نساء الخزرج.. لا والله حتى أثأر من محد وأصحابه والدهن على حرام حتى نغزو محمدا.



(1) سورة الأنفال آية 41