Thursday, May 5, 2016

السيرة النبوية




السيرة النبوية - 15 -

كما ذكرنا في الأسبوع الماضي، إتصل محمد صلى الله عليه وسلم بزعماء الخزرج  واتفقوا على اللقاء عند العقبة جوف الليل  لبحث موضوع هجرة المسلمين الى يثرب.

وجاء مع محمد عمه العباس بن عبد المطلب الذي قال لهم(1):" يا معشر الخزرج إن محمد منا حيث علمتم. وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، وهو في عز من قومه ومنعة في بلده. وقد أبى إلا الإنحياز إليكم واللحوق بكم. فإن كنتم ترون أنكم وافون له فيما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك. وإن كنتم مسلميه وخاذليه بعد خروجه إليكم فمن الآن فدعوه." فطلب اليثربيون من النبي أن يتكلم. فقال النبي, بعد أن تلا القرآن ورغب في الإسلام:

"أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم". فأجاب البراء بن معرور وكان سيد قومه وكبيرهم : "بايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر".
وقبل أن يتم كلامه إعترض أبو الهيثم بن التيهان قائلا: " يا رسول الله ، إن بيننا ووبين الرجال—أي اليهود-- حبالا (عهود) نحن قاطعوها. فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟؟
فتبسم النبي وقال:
:" بل الدم الدم والهدم الهدم. أنتم مني وأنا منكم، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم."


وقال العباس بن عبادة: "يا معشر الخزرج: أتعلمون علام بايعتم هذا الرجل؟ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس. فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فمن الآن دعوه، فهو والله إن فعلتم  خزي بالدنيا والآخرة. وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه: فهو والله خير الدنيا والآخرة."
فاجابوا : إنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف. فما لنا يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟؟ ورد عليهم محمد قائلا: الجنة.

وطلب الرسول منهم أن يختاروا إثني عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم كفلاء. فاختار القوم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. فقال النبي لهولاء النقباء: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي. وبهذا تمت البيعة الثانية.

وما كاد الصبح أن يتنفس حتى علمت قريش بنبأ البيعة، وعاد أهل يثرب إلى ديارهم قبل أن تتأكد قريش من الحلف. ولما تأكدت حاولت اللحاق بأهل يثرب فلم تلحق إلا بسعد بن عبادة. حيث أخذوه وعذبوه حتى أجاره جبير بن مطعم بن عدي والحارث بن امية.

وأمر النبي أصحابه أن يلتحقوا بالأنصار بيثرب على أن يتركوا مكة متفرقين. وخشيت قريش أن يلحق النبي بالمهاجرين وان يدهم اليثربيون مكة أو يقطعوا عليهم طريق التجارة الى الشام.
فقرروا أن يقتلوا محمد بأن يأخذوا من كل قبيلة فتى شابا جليدا، وأن يعطوا كل فتى سيفا صارما بتارا، فيضربوه جميعا ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل.


(1) محمد حسين هيكل ، حياة محمد ص 204

No comments:

Post a Comment