Thursday, May 19, 2016

السيرة النبوية


السيرة النبوية – 17 –

      
لقد رأيت أن أقوم بتلخيص ما جاء في كتاب أبي الحسن الندوي من عرض خاص بالحياة في المدينة من الناحية المدنية والإقتصادية والإجتماعية وصلة القبائل ببعضها ومركز اليهود بها، والواقع الذي تعيشه هذه المدينة الخصبة والتي التقت بها ديانات وثقافات ومجتمعات مختلفة، بخلاف مكة ذات الطبيعة الواحدة والطابع الموحد ، والدين المشترك  :

اليهود
كان في المدينة ثلاث قبائل من اليهود ، القينقاع، النضير وقريظة وبلغ عدد رجالها  البالغين أكثر من ألفين. وكانت العلاقة بين هذه القبائل مضطربة. وقد أشار القرآن الى عداوة اليهود فيما بينهم بقوله:
"وإذا أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون، ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان، وإن يأتوكم أسارى تفادوخم ومحرم عليكم إخراجهم" سورة البقرة 84 – 85 .
وكانوا يعيشون بأحياء وقرى مختلفة، ولهم حصون وقرى، ولم يتمكنوا من إنشاء حكومات يحكمها اليهود ، بل عاشوا مستقلين في حماية سادات القبائل يؤدون لهم إتاوة كل عام مقابل حمايتهم. وكان لكل زعيم يهودي حليف من الأعراب.
وكانت لهم مدارس يتدارسون فيها وأماكن خاصة لممارسة شعائرهم وكانت تسمى المدارس. وكانت لهم شرائعهم ونظمهم الخاصة، بعضها من وضع كهنتهم وأحبارهم والبعض الآخر من كتبهم.
وكانت معاملاتهم مع غيرهم تقوم على المراهنات وتعاطي الربا. ولم تقتصر المراهنات على الرهائن المالية، بل تخطتها الى مراهنة النساء والولدان.
وترتب على سيطرة اليهود على الجوانب الإقتصادية في المدينة أن قوي نفوذهم وتحكموا بالأسواق تحكما فاحشا، فكرههم السواد الأعظم من الناس.
أما علاقتهم مع الأوس والخزرج فكانت تخضع للمنفعة الشخصية والمكاسب المادية. وكان همهم أن تكون لهم السيطرة المالية على المدينة. وحديثهم عن النبي المرتقب شجع الأوس والخزرج على الدخول في الإسلام.
أما لغتهم فكانت العربية ولكنها لم تكن خالصة، بل كانت تشوبها الرطانة العبرية، لأنهم لم يتركوا اللغة العبرية تركا كاملا، بل كانوا يستعملوها في صلواتهم ودراساتهم.
ولم يعمل اليهود على نشر ديانتهم ولم تمل الأمة الإسرائيلية الى إرغام الأمم على إعتناق دينها. ولقد دان عدد من الأوس والخزرج بالديانة اليهودية بتأثير المصاهرة والزواج ، أو بحكم النشأة في البيئة اليهودية.
وكان بعض من لا يعيش له ولد من العرب ينذر، إذا ولد له إبن  وعاش هودوه.

الأوس والخزرج
تنتمي بطون الأوس والخزرج الى القبائل الأزدية اليمنية. وكانت الهجرة لعدة أسباب ، منها إضطراب أحوال اليمن وغزو الأحباش ، وخراب سد مأرب. وعليه كان الأوس والخزرج أحدث عهدا بالمدينة من اليهود.
ليس من السهل معرفة عدد رجال الأوس والخزرج، لكن يمكن تحديد قوتهم الحربية من المعارك التي خاضوها، فلقد بلغ عدد محاربيهم يوم فتح مكة أربعة آلاف مقاتل.
الوضع الطبيعي
كانت يثرب عند الهجرة النبوية منقسمة الى عدة دوائر تسكنها بطون عربية ويهودية. وكل دائرة تنقسم الى قسمين: الأول يشتمل الأراضي الزراعية والثاني يشمل الأطم أو ألآطام (الحصون)
وكان لليهود تسعة وخمسين أطما، كانت تستعمل كمخازن وملاجيء ، وكانت تشتمل على المعابد والمدارس. يجتمع بها الزعماء للبحث والتشاور.
الحالة الدينية والمكانة الإجتماعية
كان أهل العرب تابعين لقريش ، وأهل مكة في العقيدة والديانة يعبدون من الأصنام ما تعبدها قريش وأهل الحجاز.
وكانت قريش تعترف بشرف الأوس والخزرج، وهم بنو قحطان العرب العاربة، وكانوا يصاهرونهم ، ويتزوجون فيهم.
الحالة الإقتصادية والحضارية
كانت يثرب منطقة زراعية يعتمد أهلها على الزراعة. وكان التمر والعنب من أهم محاصيلها ،ومن الحبوب الرئيسية  الشعير والقمح وكذلك الخضروات والبقول. وهذا لا ينفي وجود حركة تجارية في المدينة ولكنها لم تكن في القوة والإنتشار بمكانة الحركة التجارية في مكة.
وكان في المدينة بعض الصناعات يمارس أكثرها اليهود. وكان عامة بني قينقاع صاغة، وكانوا أغنى طوائف اليهود في يثرب. وكانت العملة في المدينة ومكة واحدة. ولم تكن المدينة – على خصبها- مكتفية غذائيا ، فكان أهلها يستوردون بعض المواد الغذائية من  الخارج.
وكان اليهود أكثر غنى من العرب، لأن العرب بطبيعتهم البدوية لا يفكرون بالمستقبل كثير فيوفرون له المال، وكانوا يستدينون من اليهود وكثيرا ما تكون الأستدانة بالربا والرهن.
وكان في المدينة عدة أسواق، أهمها سوق بني قينقاع مركز بيع الحلى والذهب، وكان هناك عطارون يبيعون العطر والمسك وكان هناك من يتاجر في العنبر والزئبق. وكان من بين الأوس والخزرج من يتعامل  بالربا وأن كان ذلك نادرا بالنسبة لليهود؟
وكانت البيوت ذات طبقات، وكان لبعضها حدائق. وكانت توجد كراسي وكانوا يستعملون أقداح من الزجاج وأخرى من الحجر. وكانوا يستخدمون القفف في أعمال المنزل والمكاتل. وكان للأغنياء منهم كثير من الأثاث، خصوصا اليهود. وكان هناك أنواع عديدة من الحلي كالأساور والدمالج والخلاخيل. وكذلك الغزل والنسيج.


ونتابع بعد أسبوعين بإذن الله بناء المسجد ومنزل الرسول في المدينة ومعاهدة الصداقة بين المهاجرين والأنصار واليهود 

ملخص عن كتاب أبي الحسن على الحسني الندوي، السيرة النبوية.المطبعة العصرية للطباعة والنشر. د.ت.




No comments:

Post a Comment