Sunday, November 20, 2011

حذاء العيد والعصيان المدني


حذاء العيد والعصيان المدني

يصبح البيت في  الأسبوع الذي يسبق العيد خلية نحل ، الجد يظهر فجأة في بيتنا لتفقد أدوات عمل   القهوة السادة  ويأمر بتنظيف منقل الفحم وتحضير دلة القهوة والفناجين الخاصة بها.  الأب مهمته تزويد ربة المنزل بما يلزم من مصاريف لتأمين شراء كل متطلبات العيد .
 الوظيفة الكبرى تقوم بها ربة المنزل ( أمي ) – فهي التي تعد الطعام الذي يتناسب مع أذواق الأولاد الستة والزوج الذي لا يعترض على أي نوع من الطعام ، وهي التي تقرر مواعيد الزيارات والدعوات للعائلة الكيبرة ، وهي التي  تقوم بتفصيل ملابسنا نحن البنات الأربعة وتصحبنا الى السوق لشراء كل ما يلزمنا .
وقبل العيد بعدة أيام  اصطحبتنا الى السوق الوحيد في عمان لشراء أحذية العيد ،  و تحلقنا نحن الأربعة كالفراشات حولها وكل واحدة منا  تحاول أن تختار ما يعجبها في أسرع وقت ممكن لأن أمي لم تكف طوال الوقت عن استعجالنا لأنها لم تحضرالطعام بعد ، كما أن فساتين العيد لم تجهزوبحاجة الى الكثير من العمل .
أختى الكبيرة يتطاير شعرها الأسود الناعم مع كل التفاتة من متجر الى آخر-  في تلك الأيام لم يكن في عمان الا ثلاثة متاجر للأحذية أو أربعة وكلها بنفس الشارع-   أما أنا بجديلتى الشقراء خلف ظهري متسمرة لا تتحرك لأنني تجمدت أمام أكبر المحلات في السوق وأنا أنظر إلى حذاء بعينه لا أحيد عنه ، ابيض له كعب صغير ، وإبزيم رفيع وفتحات على شكل مثلثات صغيرة أعطت الحذاء شكلا رائعا -   
نظرت خلفي فجأة لأجد أن  أخواتي قد أنهوا المهمة وكل واحدة منهن تحمل صندوقا يحتوي الحذاء الجديد وينظرن الى بكل ملل كأنهم يريدون أن يقولوا " خلصينا "  .
دخلت الى المتجر الكبير ، طلبت أن أجرب الحذاء ، أحضر البائع القياس الذي طلبته، رائع قلت في عقلي ، نظرت والدتي إلى السعر وقالت : مستحيل اربعة دنانير ؟؟ لا.. لا يمكن ،، نظرت اليها وقلت بصوت منخفض ثلاثة دنانير وتسع وثمانين قرشا ليس أربعة دنانير!!!
جذبت يدي وقالت لقد اشتريت ثلاثة أحذية بأقل من هذا السعر لا لا إنسي الموضوع*!!!
تركت الحذاء في الأرض وقلت لها طيب لا أريد حذاء هذا العيد فلنذهب الى البيت ،  وهكذا عدنا للبيت وأنا أنظر إلى أخواتي محاولة أن أظهر لهن أني غير مكترثة ولا يهمني أن أرتدي الحذاء القديم.
مر يوم وتبعه آخر وأمي تحاول أن تقنعني أن أشتري مثل حذاء أختي الكبيرة وأنا أرفض.  واقترب العيد وأنا على موقفي دون أي إحتجاج أو رجاء .
وفي يوم الوقفة وبعد أن أكملت أمي كل الإستعدادات لاستقبال العيد وجهزت ملابسنا الجديدة ووصلت علب الحلوى الخشبية من جبري ،  اختفت أمي فجأة  ولم يعرف أحد أين ذهبت .  وفي تمام الساعة الثامنة مساءاً ظهرت وهي تحمل الصندوق الأبيض وتتجه نحوي وتقول هذا هو الحذاء الذي أعجبك ، وكانت فرحتي لا توصف.

* الغريب في الأمر أن والدي كان وزير، لكن وزراء الستينات كانوا مجرد موظفين كغيرهم من الناس... 

2 comments:

  1. الثبات على المبدأ يحقق نتائج إيجابية :)

    ReplyDelete
  2. Amazing, very interesting story reem, you reminded me of eid great times.

    ReplyDelete