السيرة النبوية

السيرة النبوية – 12 -

ولم تمض إلا شهور على نقض الصحيفة وعودة محمد وأصحابه الى مكة، حتى فجع بوفاة عمه ابو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد في العام العاشر للنبوة(1)  . خديجة التي كانت تهون عليه كل شدة وتزيل من نفسه كل خشية.

وازداد أذى قريش بعد وفاة نصيريه، حتى أنه في أحد الأيام اعترضه سفيه من سفهاء قريش ورمى على رأسه التراب، فدخل الرسول الى بيته فقامت إبنته فاطمة تغسل التراب عنه وهي تبكي. فقال لها الرسول (2): لا تبكي يا بنية، فإن الله مانع أباك. وكان يردد والله ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب

وضاق محمد بإساءات قريش فخرج الى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ويرجو أسلامهم. لكنهم لم يستجبوا له. ورجاهم ألا يذكروا من استنصاره بهم شيئا حتى لا يشمت به قومه. ولم يسمعوا له بل أغروا به سفهاءهم يسبوه ويصيحون به. فلجأ الى حائط لعتبة وشيبة إبني ربيعة محتميا به. ورفع رأسه الى السماء وقال:

"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين .أنت رب المستضعفين وأنت ربي. الى من تكلني! الى بعيد يتجهمني أو الى عدو ملكته أمري. إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك اوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"

فأشفق عليه إبني ربيعة وأرسلا له قطف عنب مع غلامهما عداس النصراني الذي قبل رأس ويدي وقدمي محمد  (3) وأسلم بما سمعه من حديث الرسول وراى من اخلاقه.

ولما سمعت قريش باستنجاد محمد بثقيف زادت في أذاها له ولأصحابه.

واستمر محمد يدعو قبائل العرب الى دين الحق وعمه أبا جهل يتبعه أينما ذهب ويحرض القبائل ضده. وزاد عناد القبائل محمد عزلة ، كما زاد إمعان قريش في أذى أصحابه.

وعندما إنقضى زمن الحداد على خديجة ، فكر محمد أن يتزوج فخطب الى أبي بكر إبنته عائشة ولم يبن بها حتى بلغت التاسعة. وفي هذه الأثناء تزوج سودة أرملة أحد المسلمين الذين هاجروا الى الحبشة.

وسنتابع في الأسبوع القادم قصة الإسراء والمعراج بإذن الله

(1) أبو الحسن على الحسني الندوي، السيرة النبوية.المطبعة العصرية للطباعة والنشر. د.ت ص 161

(2) حسين هيكل ، حياة محمد ص 186

(3) أبو الحسن على الحسني الندوي، السيرة النبوية.المطبعة العصرية للطباعة والنشر. د.ت ص 167